سورة القصص - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وقال الذين أوتوا العلم} أي بما وعد الله في الآخرة وقال ابن عباس: يعني الأحبار من بني إسرائيل للذين تمنوا مثل ما أوتي قارون {ويلكم ثواب الله} أي ما عند الله من الثواب والخير {خير لمن آمن} أي صدق بتوحيد الله {وعمل صالحاً} أي ذلك خير مما أوتي قارون في الدنيا {ولا يلقاها إلا الصابرين} أي لا يؤتى الأعمال الصالحة إلا الصابرون وقيل لا يؤتى هذه الكلمة وهي قوله: {ويلكم ثواب الله خير} {إلا الصابرون} أي على طاعة الله وعن زينة الدنيا. قوله تعالى: {فخسفنا به وبداره الأرض}.
ذكر قصة قارون:
قال أهل العلم بالأخبار والسير: كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم. وكان حسن الصوت فبغى وطغى وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطاً أربعة في كل طرف خيطاً أخضر كلون السماء يذكرونني به إذا نظروا إلى السماء ويعلمون أني منزل منها كلامي. فقال موسى: يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضراً فإن بني إسرائيل تستصغر هذه الخيوط فقال له ربه يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير فدعاهم موسى فقال إن الله يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطاً كلون السماء لكي تذكروا ربكم إ ذا رأيتموها ففعل بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى واستكبر قارون فلم يطعه وقال: إنما يفعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم فكان هذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون، وهي رئاسة المذبح فكان بنو إسرائيل يأتون بقربانهم إلى هارون فيضعها على المذبح فنزل نار من السماء فتأكله فوجد قارون من ذلك في نفسه فأتى إلى موسى فقال له موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك، وأنا أقرأ التوراة لا صبر لي على هذا فقال أما أنا ما جعلتها لهارون بل الله جعلها له فقال له قارون: والله لا أصدقك حتى تريني بيانه فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل فقال هاتوا عصيكم فحزمها وألقاها في قبته التي يتعبد فيها وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال موسى يا قارون ترى هذا فقال له قارون والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر واعتزل قارون موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه كل وقت ولا يزيد إلا عتواً وتجبراً ومعاداة لموسى حتى بنى داراً وجعل لها باباً من الذهب.
وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.
قال ابن عباس: فلما نزلت الزكاة على موسى أتاه قارون فصالحه على كل ألف دينار عنها دينار وعلى كل ألف درهم عنها درهم وكل ألف شاة عنها شاة وكذلك سائر الأشياء ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده شيئاً كثيراً فلم تسمح نفسه بذلك فجمع بني إسرائيل وقال لهم إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت قال آمركم أن تجيئوا فلانة البغي وتجعلوا عليكم لها جعلاً على أن تقذف موسى بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل فرفضوه فدعوها فجعل لها قارون ألف دينار وألف درهم. وقيل طستاً من ذهب وقيل قال لها قارون أنزلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً وإذا حضر بنو إسرائيل فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال: إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم موسى وهم في مرج من الأرض فقام فيهم فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة جلدة ومن زنى وله امرأة رجمناه إلى أن يموت فقال قارون وإن كنت أنت؟ قال: وأن كنت أنا قال فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة البغي قال: ادعوها فلما جاءت قال لها موسى: بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت فتداركها الله بالتوفيق فقالت في نفسها أحدث توبة أفضل من أن أوذي رسول الله فقالت لا والله ولكن قارون جعل لي جعلاً على أن أقذفك بنفسي فخرّ موسى ساجداً يبكي. ويقول: اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله إليه أني أمرت الأرض أن تعطيك فمرها بما شئت فقال موسى: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا فلم يبق مع قارون إلا رجلان ثم قال موسى يا أرض خذيهم فأخذتهم بأقدامهم. وقيل كان على سرير وفرشه فأخذته الأرض حتى غيبت سريره ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وأصحابه في ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشده قارون الله والرحم، حتى قيل إنه ناشده أربعين مرة. وقيل سبعين مرة وموسى في ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فأطبقت عليهم الأرض فأوحى الله إلى موسى ما أغلظ قلبك يستغيث بك قارون سبعين مرة فلم تغثه أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته وفي بعض الآثار لا أجعل الأرض بعدك طوعاً لأحد.
قال قتادة خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قرارها إلى يوم القيامة وأصبح بنو إسرائيل يقولون فيما بينهم إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله تعالى: {فما كان له من فئة} يعني جماعة {ينصرونه من دون الله} يعني يمنعونه من الله {وما كان من المنتصرين} من الممتنعين مما نزل به من الخسف {وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} يعني صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه الله من الأموال والزينة يندمون على ذلك التمني {يقولون ويكأن الله} ألم تعلم وقيل ألم تر. وقيل هي كلمة تقرير معناها أما ترى صنع الله وإحسانه وقيل ويك، بمعنى ويلك اعلم أن الله. وروي أن وي مفصوله من كأن والمعنى أن القوم ندموا فقالوا متندمين على ما سلف منهم وي وكأن معناها أظن وأقدر أن الله {يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} قال ابن عباس أي يوسع لمن يشاء ويضيق على من يشاء {لولا أن من الله علينا} أي بالإيمان {لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون}.


قوله عز وجل: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الأرض} أي استكباراً عن الإيمان وقيل علواً واستطالة على الناس وتهاوناً بهم وقيل يطلبون الشرف والعز عند ذي سلطان وعن علي أنها نزلت في أهل التواضع من الولاة وأهل المقدرة {ولا فساداً} قيل الذين يدعون إلى غير عبادة الله تعالى وقيل أخذ أموال الناس بغير حق وقيل العمل بالمعاصي {والعاقبة للمتقين} أي العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب الله بأداء أوامره واجتناب نواهيه وقيل عاقبة المتقين الجنة {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون} تقدم تفسيره. قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن} أي أنزل عليك القرآن وقيل معناه أوجب عليك العمل بالقرآن {لرادك إلى معاد} قال ابن عباس إلى مكة. أخرجه البخاري عنه قال القتيبي: معاد الرجل بلده لأنه ينصرف فيعود إلى بلده وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار مهاجراً إلى المدينة سار على غير الطريق مخالفة الطلب فلما أمن رجع في الطريق ونزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها فأتاه جبريل عليه السلام وقال له: أتشتاق إلى بلدك؟ قال نعم قال: فإن الله تعالى يقول الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وهذه الآية نزلت بالجحفة ليست بمكية ولا مدنية. وقال ابن عباس أيضاً لرادك إلى الموت وقيل إلى القيامة، وقيل إل الجنة {قل ربي أعلم من جاء بالهدى} هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم إنك لفي ضلال مبين فقال الله تعالى لهم {ربي أعلم من جاء بالهدى} يعني نفسه {ومن هو في ضلال مبين} يعني المشركين ومعناه هو أعلم بالفريقين. قوله عز وجل: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب} أي يوحى إليك القرآن {إلا رحمة من ربك} فأعطاك القرآن {فلا تكونن ظهيراً} أي معيناً {للكافرين} على دينهم ذلك حين دعوه إلى دين آبائه فذكره نعمه عليه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه {ولا يصدنك عن آيات الله} يعني القرآن {بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك} إلى معرفته وتوحيده {ولا تكونن من المشركين} قال ابن عباس: الخطاب في الظاهر للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به أهل دينه أي ولا تظاهر الكفار ولا توافقهم {ولا تدع مع الله إلهاً آخر} معناه أنه واجب على الكل إلا أنه خاطبه به مخصوصاً لأجل التعظيم. فإن قلت النبيّ صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من أن يدعو مع الله إلهاً آخر فما فائدة هذا النهي. قلت الخطاب معه والمراد به غيره وقيل معناه لا تتخذ غيره وكيلاً على أمورك كلها ولا تعتمد على غيره {لا إله إلا هو كل شيء هالك} أي فانٍ {إلا وجهه} أي إلا هو والوجه يعبر به عن الذات وقيل معناه إلا ما إريد به وجهه لأن عمل كل شيء أريد به غير الله فهو هالك {له الحكم} أي فصل القضاء بين الخلق {وإليه ترجعون} أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم والله أعلم بمراده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5